Image Not Found

هل الجرائم المالية تقلل حجم الاستثمارات؟

حيدر اللواتي – لوسيل

لا يختلف اثنان على أن الجرائم المالية تقلّل من التصنيف الائتماني للدول، وبالتالي تقلل من حجم الاستثمارات المتدفقة إليها. وكلما كانت البيئة الإجرامية منخفضة المخاطر، فان ذلك يؤدي إلى جذب المزيد من الاستثمارات الخارجية. وهذا ما يحصل لدينا في المنطقة الخليجية نتيجة للاجراءات الصارمة المتخذة لمكافحة الاجرام المالي، في الوقت الذي يحاول فيه مجرمو الأموال غسل ما لديهم من أموال وتحويلها إلى مناطق آمنة بسبب الحروب التي يشهدها العالم حاليا وأهمها الحرب الروسية الأوكرانية، بجانب التداعيات التي تركتها جائحة كوفيد 19، وزيادة معدلات التضخم العالمي وظهور بوادر الكساد العالمي وغيرها من الأسباب الأخرى.
فالأموال النظيفة تبحث دائما بالتوجه إلى بيئة تتسم بالاستقرار السياسي والآمن، والبعيدة عن التعقيدات والبيروقراطية والفساد والجماعات الإرهابية. والمنطقة تتميز بالأمن والاستقرار السياسي، وتحاول بقدر الإمكان أن تلتزم بتنفيذ المبادرات الدولية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب. فجميع دول مجلس التعاون الخليجي تعتبر من أولى الدول الملتزمة باتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجرائم المالية المنظمة، حيث تسعى دائما لتحديث قوانينها وتشريعاتها خاصة فيما يتعلق بضرورة ضمان توفير الشروط الواجب الالتزام بها من قبل المصارف العاملة لتعزيز دور النظام المالي العالمي، والالتزام بالتوصيات الأربعين لمجموعة العمل المالي الدولية التي تتطلب الحصول على العديد من البيانات المهمة للعملاء كتحديد هويتهم والاحتفاظ بسجلاتهم لمتابعة المعاملات المشبوهة في التحويلات المالية العالمية التي تتم عبر المكاتب وشركات الوساطة المالية وغيرها من الجهات المعنية بتحويل الأموال، حيث يتم الإبلاغ عنها أولاً بأول للوقوف عليها ومتابعتها مع دول أخرى. فدول المنطقة مرتبطة باتفاقيات ثنائية ومتعددة الأطراف للتعاون والتعامل المتبادل في هذا الشأن سواء مع مجموعة العمل المالي الدولية أو مجموعة العمل الخاصة بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وتعمل في الوقت نفسه على إدخال مزيد من التحسينات والتطوير وتجميد الحسابات المشبوهة وذلك بالتعاون مع البنوك المركزية والمؤسسات المصرفية والمالية التابعة لها. ومن هذا المنطلق أنشأت دول المنطقة لجان وطنية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب حيث تضم العديد من ممثلي الوزارات المعنية والجهات الرقابية ذات الصلة، بهدف متابعة تلك القضايا واتخاذ الإجراءات التي يمكن أن تحد عمليات غسل الاموال بصورها المختلفة.
إن ترك المجال للجرائم المالية بأن تتفشى في أية دولة ستكون نتيجتها تحقيق خسائر بمليارات الدولارات للمؤسسات والشركات. واليوم فان أنواع الجريمة المالية تشمل أيضا التلاعب في المعاملات التجارية وممارسة الاحتيال الضريبي لبعض المؤسسات المصرفية العالمية، الأمر الذي يتطلب كشف الجناة الذين يحققون مكاسب غير مشروعة، ويمارسون الاحتيال الضريبي ويحققون مكاسب من خلال بطاقات الائتمان والاحتيال الإلكتروني والاحتيال في الأوراق المالية، والاعلان عن الإفلاسات التجارية لاحقا، الأمر الذي يؤدي إلى الحاق الضرر بمؤسسات القطاع الخاص. فالاحتيال في العمل الاقتصادي والتجاري يترك آثارا سلبية وغير صحية للاقتصادات ويؤدي إلى خفض نوعية السلع والخدمات المقدمة للمستهلكين، كما يؤدي إلى نفور الشركات الدولية من الاستثمار، ويعرّض مؤسسات أخرى في مجال المصارف والتأمين وغيرها إلى خسائر مالية. وأخيراً فان التقنيات الحديثة أصبحت اليوم تلعب دوراً كبيرا في عمليات الاحتيال عبر المنصات، والمحتالون يحالون بشتى الطرق كسب ثقة الضحايا للحصول على أموالهم ومن ثم غسلها وإدخالها في الاقتصادات النظيفة.